في أوروبا والدول المتقدمة قد تجد أثناء زيارتك لأحد المطاعم أن طاقم الموظفين مرتبكين جداً ويصطدم بعضهم بالآخر ؛ لمجرد دخول شخص سمين من باب المطعم يرتدي معطفا أسود وقبعة سوداء مستديرة تجعلهم يتهامسون هل هذا هو أم لا ، ودون أن يتجرأون على الاستفسار من هويته تجدهم يخيرونه بين أن يقدمون له الطبق اليومي أم الطبق المفضل أم يدعونه يختار من قائمة الطعام ، ليقرأون انطباعه عن المطعم في اليوم التالي ببضعة سطور في صحيفة شهيرة تجعل العاملين بهذا المطعم من الأثرياء ، وعادة مايكون هذا الشخص طباخ متقاعد أو مجرد متذوق ولكنه مخيف أكثر من حملات تفتيش البلدية لانه قد يصنع مصير مطعم بشخطة قلم ، وأنا كنت أتمنى أحياناً أن أكون هذا الشخص بصفتي سمين بعض الشيء ومتذوق لجميع أنواع الطعام ، كما أن وظيفة مثل هذه قد تجعلك تأكل بالمجان طوال حياتك ، إن ثقافة الطعام لدينا لم تتجاوز الكبسة والإيدام وهذه حقيقه فقد تدعوا أصدقائك لمطعم ما - صيني أو هندي أو الخ من المأكولات الغير عربية - لتجدهم يقولون لك يارب لك الحمد رغم أن الطعم لا يعيبه شيء ولكن الأمر يشبه إلى حد كبير شرب الماء من كأس زجاجي لتتفاجئ أنه مشروب غازي سبرايت أو سفن أب ، مطاعم مثل بباي و وينديز وديركوين وغيرها غادرت بلا رجعة وعادت بأسماء أخرى وعلى استحياء ومطاعم مثل ماكدونالدز وكنتاكي صامدة رغم الشائعات وتقوم بحملات دعائية وكأنها لم تجرم صحياً بحق أحد ومطاعم مثل هارديز وهرفي شرفتنا أخيراً ومطعم مثل برجر كينق لازال متردداً ومقهى مثل ستاربكس ولأول مرة في تاريخ سجل انتصاره وتعداد فروعه يغلق فرعا له بشارع شهار بمحافظة الطائف ثم يعود خلسة لبرج قلب الطائف بينما البوفيه المقابلة له سابقاً كانت تكسب مبالغ مهولة وهي لم تكن تقدم الا الشاي الطائفي والشاي المغربي ، ربما العيب في ألسنتنا أو في وكلاء هذه المطاعم لأن الموضوع بات محيراً فهي لازالت مطاعم ناجحه وشهيرة خارج السعودية و كم أتمنى أن تدعو المملكة عن طريق هيئة السياحة والآثار أمثال هؤلاء المتذوقين وأن نقرأ احصائيات للمطاعم المعمرة مثل مطعم الرواس بالمنطقة المركزية بمحافظة الطائف وغيره الكثير وأن نتعلم عن أسرار وأسباب نجاحها حتى الآن ولا بأس إن أضيفت هذه لمهام المرشد السياحي والتي تعتبر من مهامه أن يتجول بالوفود السياحيه ليشاهدون تراث وثقافة وعمران المدن والمحافظات ولا مانع من المأكولات أيضاً ، وأتمنى أن نشاهد قريباً في صحفنا المحلية كتاب وكاتبات يشرحون الفرق لنا بين " الكوزي " و " الغوزي " وبين " البرياني " و " الزربياني " وبين " المندي " و " الندي " و أن لا تتحول ثقافة الأطعمة وطريقة طباختها وتقديمها إلى مجرد برامج تليفزيونية أو كتب طبخ تتحدث عن الوصفات والمقادير ، والأمر لا يقتصر على الأطعمة فقط بل على الخضروات والفواكه أحياناً التي قد تختلف أسمائها من منطقة لأخرى فقد تجد الطماطم أصبحت بندوره أو قوطه والحبحب صار جح والبعض يسميه جُحاً وآخرين يظنون أن اسمها مشتق من جحا حتى أنا لا أعرف الفرق بين الخوخ والمشمش رغم أن جدي الشيخ عبدالوهاب حلواني رحمه الله أسس حلقة الخضروات والفواكه وكان أحد أركان ودعائم النهضة الزراعية بالطائف بل من المحرج حين يزورني أصدقائي بمزارعنا ويسألونني عن بعض أسماء الثمار والأشجار ولا أعرف الجواب ، ومن احدى المواقف الطريفه أثناء زيارة الصديق والزميل الاعلامي خميس الزهراني لمحافظة الطائف لتصويره تقريرا عن الورد الطائفي لقناة العربية جلسنا نستظل تحت شجرة ونأكل من ثمارها ونحن محاطون بالورد ونتسائل عن اسم هذه الفاكهة وانا لا املك جواباً فما كان من خميس الا أن يستعين على معرفة اسم هذه الفاكهة من المزارعين بالمزرعه وباءت محاولاتنا بنطق اسمها الصحيح بالفشل فمرةً نطلق عليها اسم أوكسيدالدنيا ومرةً أم الدنيا ومرةً أخرى نطلق عليها اسم كيك الدنيا واتفقنا أخيراً أن نسميها أوك يادنيا.