تحدثت في الحلقة السابقة عن وصول الامير سعود الفيصل الى اسطنبول على رأس وفد المملكة في مؤتمر وزراء الخارجية الاسلامي حول قضية البسنة والهرسك ، واشرت الى الموقف الصعب الذي وجدت نفسي فيه ، عندما طلبت مني ادارة العلاقات العامة في الفندق الذي نزل فيه الامير ، الحصول على تعليق من الامير في سجل الشرف ، وذكرت السبب الذي جعلني اتردد في تقديم السجل للامير ، ولا شك ان الامير سعود كان يتمتع بشخصية قوية ، وهيبة لا تخطيها العين ، ولهذا السبب اعتذر ثلاثة من المقربين منه عن تقديم السجل له ، وقد كانت تلك المرة الاولى والاخيرة التي يزور فيها اسطنبول خلال اكثر من خمس سنوات قضيتها قنصلا عاما في تلك المدينة ، وكانت كل زياراته تتم الى العاصمة انقرة وفي الغالب يأتي ويغادر في نفس اليوم ، واذكر في مرة من المرات وصل تعميم من الوزارة يطلب من البعثات الالتزام بالحصص المخصصة لكل دولة عند منح تأشيرات الحج وعدم تجاوز ذلك ، ومعروف ان الجهات الرسمية هي التي تتولى تقديم اسماء من تمنح لهم التأشيرات ، ولكن البعثة ( القنصلية او السفارة ) تحرج عندما يتقدم لها بعض الشخصيات الهامة يطلب تأشيرة لنفسه او لغيره ، وكانت البعثة تمنح عدد محدود من التأشيرات كمجاملة ، ولكن بعد وصول التعميم ، وبالتشاور مع السفير في انقرة حول الموضوع قال : انه سيعرض الامر على الامير الذي سيصل الى انقرة في زيارة رسمية ويطلب منه الموافقو على منح السفارة في حدود 200 تأشيرة للمجاملات ومنح القنصلية مثل ذلك ، ولكن بعرض الموضوع على الامير ، طلب الرفع للوزارة ، وبعد الرفع وصل الجواب من المقام السامي بعدم فتح هذا الباب ، ولم يكن امامنا الا الالتزام بحرفية التعليمات ولم نمنح تأشيرة واحدة في تلك السنة ، وكنا نحيل من يطلب تأشيرة حج الى ادارة الشئون الدينية التركية ، والتي كانت تجري القرعة بين المتقدمين ، والسعيد من تظهر القرعة اسمه ، أما من لم يظهر اسمه فانه يطرق كل الابواب ليتمكن من اداء الحج ، وسبق ان اشرت الى من لجأ الى تأشيرات العمل الموسمي ، حيث كانت تصل تعليمات بمنح عدد كبير من الجزارين والسائقين وعمال نظافة ، وكانت تأشيرات العمل الموسمي تباع لمن يرغب الحج ولم يظهر اسمه عن طريق القرعة ، وقد فطنت السلطات التركية لهذه الممارسات ، فقامت بإصدار تعليمات بان كل من يرغب السفر للعمل الموسمي فان عليه الحصول على رخصة عمل من مكتب العمل التركي ، وكان علينا الالتزام بهذه التعليمات ، ولكن اصحاب التأشيرات الموسمية لم يرق لهم ذلك فرفعوا شكوى للبنك الاسلامي للتنمية ، وقد اتهمنا رئيس البنك في ذلك الوقت جعفر فقيه بتعطيل مشروع الاستفادة من لحوم الهدي والاضاحي ، وبعد وصول تعليمات من وزارة الخارجية ، منحنا خمسة عشر الف تأشيرة موسمية بعد تحصيل الرسوم ، ولكن الحكومة التركية لم تسمح لأي منهم بمغادرة البلد بسبب عدم حصولهم على رخص العمل .